Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

Recherche

2 avril 2011 6 02 /04 /avril /2011 19:50

RCD.jpg 

عبد الستار قاسم 

فلسطين المحتلة

 

        رجال المخابرات هم أقل الناس شعبية في الوطن العربي. يكره الناس رجال المخابرات ويصفونهم بأقذع الصفات والأوصاف وينظرون إليهم كبغاة طغاة هدامين لا يعرفون إلا مصالحهم. رجل المخابرات في الوطن العربي في نظر عامة الناس عبارة عن شيطان لا يرتاح إلا بإزعاج الآخرين والوشاية بهم والانتقام منهم. إنه شخص غير مؤتمن إطلاقا ولا يتواجد إلا في الأمكنة التي يجب ألا يكون فيها. إنه يتحسس أخبار الناس ويتجسس عليهم ويوقع بهم ويتدخل في شؤونهم الخاصة والعامة. إنه مقيت ولا يعرف ذمة ولا يردعه ضمير ولا يقيم وزنا لفضيلة أو خلق قويم. إنه متمرد على الله وعلى الإنسان، وعلى كل ما هو فضيلة، إنه إبليس بعينه. هذا مع الاعتذار لمن انخرط في هذا السلك رغبة منه في خدمة الأمة والوطن. فقط حاولت أن أُسمع رجل المخابرات ما يدور بين الناس خفية عنه، إن كان هناك سر في الوطن العربي، وقد فضحت الأحداث الأخيرة في الوطن العربي ما كان يكره رجال المخابرات أن يسمعوه.

        تاريخيا، هذا ما صنعه رجال المخابرات العرب بأنفسهم. رأى الناس في كل أرجاء الوطن العربي أن الأعداء قد انتصروا علينا في مختلف مجالات الحياة فاحتلوا أراضينا وسيطروا على ثرواتنا وعيّنوا لنا الحكام ومنعونا من تطوير التقنية وحالوا بيننا وبين الوحدة وإلى غير ذلك. ورأى الناس كيف أن أجهزة مخابرات الأعداء قد تغلغلت في صفوفنا إلى درجة أنه يصعب إخفاء سر عنها، واستطاعت أن تتسلل إلى مختلف جزئيات حياتنا. هذا في نفس الوقت الذي تعمل أجهزة مخابراتنا على ملاحقة المواطن وإبقائه أداة أو مجرد حيوان يستهلك بطريقة أرقى قليلا من طريقة الجاموس أو الثور الذليل.

        الأعداء يوظفون أجهزة مخابراتهم لدعم دولهم وأجهزة مخابراتنا مشغولة بتعقب المواطنين، وبدل أن تكون عونا للمواطن على العدو هي عبارة عن هم ثقيل عليه. جندت الأنظمة الناس ليكونوا رقباء بعضهم على بعض إلى درجة تطورت معها ثقافة الحيطان لها آذان. تجند عدد كبير من الناس في أجهزة العسس والتعقب حتى أصبح يشك المرء بأخيه وزوجه وجاره وابن عمه وخطيبته وابن بلده، وربما أصبح يشك في نفسه. ووصل الحد إلى درجة الظن بأن المخابرات تزرع أجهزة التصنت في أجهزة الهاتف وأرضية الغرفة وطاولة الطعام والحيطان. لا أمان في الحديث مع صديق ولا في جلسات خاصة أو عامة ولا في غرفة النوم.

        وخبر الناس أيضا النتائج العملية لهذا الانتشار التجسسي الرهيب وطُلبوا للتحقيق، فمنهم من سجن ومنهم من عذب ومنهم من اختفى إما موتا أو في زنزانة نسيها من اعتقلوه. جلدت المخابرات أبناء الأمة وأوقعت في قلوبهم الرعب والمسكنة وزرعت في نفوسهم الذل والإهانة والقنوط والاستسلام. لقد أجرمت أجهزة المخابرات العربية ورجالها بقدر لا يمكن أن يُمسح من الذاكرة أو أن يتركه التاريخ بلا تسجيل. أقامت هذه الأجهزة السجون حتى أصبحت صروحا للقهر يتميز بها هذا الوطن، ونصبت مسالخ لجلود البشر، وعرف الناس الكهرباء تكوي جلودهم قبل أن تدخل بيوتهم. حرقت الجلود بالنار واقتلعت الأظافر وأجلست الناس على زجاجات كُسرت فوهاتها واقتيدوا يعذبون عراة في البرد القارس بوساطة السلاسل والجنازير والأسلاك الشائكة. واستعملت أدوات الشبح والدوران وكسر الأطراف والأنوف والرؤوس. قائمة طويلة من وسائل الإجرام والتنكيل سيسجلها التاريخ في مجلدات شاهدا من ناحية على حجم الظلم الذي يمارسه الحاكم، ومن ناحية أخرى، على حجم الإذلال الذي قبل العربي أن يبتلعه قبل أن يثور.

        يجادل بعض رجال المخابرات أنهم يسهرون على أمن الدولة والوطن ضد العابثين والخفافيش الذين لا يخرجون إلا في الظلام لامتصاص الدماء والتآمر على مصالح الناس من أجل إشباع شهواتهم الخاصة. هذا جدل مردود لأن:

         

أولا: الحكام هم أكثر الناس امتصاصا لدماء الناس وثرواتهم وهم ينهبون بدون حساب وبدون رقيب. لقد جمعوا الأموال الطائلة والجميع يعلم أن الله لم يورثهم الأرض ولم يأذن لهم في الاستيلاء على أموال الناس، وحتى أنهم لم يرثوا عن آبائهم وأمهاتهم وأجدادهم أملاكا مشروعة يمكن أن تدر عليهم كل هذه الثروات التي يملكونها. حتى أن بعضهم قد عرف بأنه ورث الفقر عن والده وجده ولم يكن يملك ما يسد احتياجاته اليومية بارتياح. ليس فقط الحاكم هو الذي يتلذذ على مص دماء الناس وإنما أقاربه أيضا وأصدقاؤه وحاشيته ومنافقوه ومتزلفوه وأولادهم وبناتهم وأزواجهم وأولادهم وأولاد أولادهم وأزواج أزواجهم. أموال كثيرة يتم نهبها وهدرها على مختلف الصنوف الاستهلاكية المصنعة محليا أو خارجيا وعلى مختلف أنواع المتع والشهوات داخل الوطن العربي وخارجه وفي الأماكن النظيفة وغير النظيفة الحمراء منها والسوداء والصفراء والتي لا يدخلها نور أو هدى.

 

ثانيا: في ظل ما يقومون به من أعمال وما يأمرهم به أسيادهم لم يتبق للوطن أمن أو أمان. الوطن العربي عبارة عن مطية لمن أراد أن يمتطي وهدف سهل أمام كل من يريد أن يجرب الانتصار. لا يحاربنا أحد إلا انتصر علينا مهما كان ضعيفا أو هزيلا، ولا يرغب أحد في نهب ثرواتنا إلا نجح في ذلك. إسرائيل تصول وتجول، وفرائصنا ترتعد من دول مجاورة وأخرى بعيدة، حتى أريتيريا لم نأخذ منها حقا انتزعته بالقوة وقتلت وأسرت جنودنا في الجزر اليمنية، وفضلنا الهرولة إلى المحكمة الدولية. حرب في جنوب السودان اشتعلت على مدى سنوات ولم نستطع حسمها فانفصل الجنوب، وأرض عربية ما زالت تحتلها إسبانيا ونحن للإهانة صاغرين. هذا وطن ألعوبة بأيدي الأعداء، وجسده مليء بالثغرات والنوافذ والأبواب. نحن لسنا مغلوبين ومستورين، بل يتم كل غُلب علينا على رؤوس الأشهاد حتى أصبحنا مهزلة أمام الأمم وأضحوكة في نوادي التسالي والنكات.

        هؤلاء المخابرات لا يكتفون بفتح أبواب مخادعنا للأعداء، بل ينهمكون على الدوام بتلك الأفعال والأعمال التي تجعل من العربي غير قادر على رفض الذل ويدفعون به نحو الاستطياب وتجرع المزيد. إنهم لا يرفضون فقط الدفاع عن ظعائنهم، وإنما يصرون على أن تكون ظعائن الأمة كلها مباحة. لقد قتلوا الرجولة في الرجال حتى تأكدت النساء أنها لا تُزف إلا إلى مجرد ذكر، وبعثوا الرعب في قلوب النساء حتى أنها لم تعد إلا وسائل إنجاب يمكن أن تكون الأنابيب بدائلها. حرصوا على استدخال الهزيمة في النفوس حتى بات النوم مستحيلا بدون جرعة منها. وبعد هذا يقولون إنهم يدافعون عن وطن ومواطنين.

 

ثالثا: إنهم يدافعون عن أنظمة وليس عن مواطنين أو أوطان أو دول. ليتهم يشرحون لنا كيف يمكن أن يدافعوا عن أمن الوطن باقتفاء آثار الأشخاص لمعرفة أصدقائهم ومغامراتهم والطعام الذي يحبون والجلسات التي منها ينفرون. أي خدمة يكسبها الوطن في ملاحقة زوج على خلاف مع زوجه، أو رجل دين على وفاق مع الذين يصلون خلفه، أو في معرفة السبب الذي أضحك علانا عندما كان يتمشى مع فلان، أو الذي دفع علانا إلى عدم ركوب حماره عندما كان يسير في البرية؟

        إنني أدرك أن هذه الأمور التافهة مهمة في ملاحقة جواسيس الدول الأخرى الذين يحاولون نخر أجسادنا، لكن هذه النشاطات مكرسة ضدنا ولا تهدف إلا إلى الاطمئنان إلى خنوع الناس واستسلامهم للحاكم وهتافهم باسمه والتسبيح بحمده، وإلى التأكد من "نظافة" الصفوف من الذين يطمحون إلى التغيير ويعملون باتجاهه. رجال المخابرات لا يخشون جواسيس الدول الأخرى لأنهم يحافظون على النظام الذي يقمع الناس الذين يشكلون درعا لأمة لا يراد لها الخير. يهتم الأعداء بإذلال العرب وخنوعهم واستسلامهم لكي يبقوا متمكنين منا ومن مقدراتنا وثرواتنا. هذا ما تفعله الأنظمة وهو بالتحديد ما يحافظ على مصالح الأعداء. ولهذا ترتع مخابرات الأعداء في بلادنا وتعمل في الخفاء والعلن دون أن تُسأل. جواسيس إسرائيل محترمون، وكذلك عملاء أمريكا وبريطانيا وأوغندا ونيجيريا وتركيا وزيمبايوي، إلخ. يعمل الجواسيس والعملاء على مرأى ومسمع أجهزة الأمن العربية وبالتعاون معها، ومعا تتم ملاحقة أحرار الوطن العربي.

        يتمنى العربي أن يتم توظيف أجهزة الأمن من أجل الدفاع عن الأمة وليس عن أمن الذين يعرضون أمن الأمة للأخطار. ليت هذه الأجهزة توظف 10% من طاقاتها لمواجهة العدو، وليتها تترك المواطن يعبر عن نفسه لكي تكوّن الرأي الصواب فتقدمه للحاكم فيصحح الأمور مستجيبا لطموحات شعبه. لكن المأساة تبقى ماثلة وهي أن العربي الذي تصب مخابرات الأعداء غضبها عليه تصب المخابرات العربية غضبها عليه أيضا. إن كان لشخص ملف لدى العدو الصهيوني فإنه يواجهه ذات الملف في دول عربية. الفلسطينيون خير شاهد على هذا. إن غضب عليك بنو صهيون وجدت العُرب عليك أغلبهم غضابا (بمن فيهم بعض أهل القضية). على الأقل هذه هي تجربتي الشخصية.

        حتى لا يقع إجحاف، أقر أن هناك نشاطات خارجية وداخلية لأجهزة المخابرات العربية لملاحقة بعض أعداء الأمة. يختلف نطاق هذه النشاطات ومداها وأهدافها من دولة إلى أخرى، لكن الملاحظ أن جزءا منها موجه نحو الدول العربية الأخرى كجزء من العداوات المتبادلة بين الأنظمة وليس الشعوب. أما ذلك الجزء المتبقي لملاحقة أخبار الأعداء وتتبع تسليحهم ودراسة نواياهم وأساليب التأثير عليهم وإمكانية إلحاق الهزيمة بهم فيبقى متواضعا جدا أمام الطاقات المحشودة لملاحقة المواطن العربي.

        وحتى لا يظن أحد من رجال المخابرات أنه موقع ثقة النظام عليه أن يتذكر أن هناك مخابرات تلاحقه لتطمئن إلى أنه لا يتلاعب. هناك مخابرات على المخابرات، ومخابرات على مخابرات المخابرات. ليعلم رجل المخابرات أنه هو نفسه موضع الشكوك التي يحاول أن يبحث عنها في بيوت ونفوس وعقول إخوانه وأبناء عمه وأصدقائه. إنه موظف عند حاكم لا تؤهله أعماله إلا للشك بالآخرين وتخوينهم.

 

رابعا: كثير من رجال المخابرات لا يتلقون تثقيفا حول الأخطار الاجتماعية والنفسية المترتبة على نشاطاتهم. إنهم يستمعون إلى محاضرات ذات جوانب متعددة في الاستهتار بالقيم الإنسانية وبالتحديد المروءة والأخوّة، ويتعلمون كيف لا يخوضون حوارا حتى لا تغريهم آراء الآخرين، وكيف يمثلون أدوارا مختلفة من أجل الإيقاع بالفريسة وذلك من خلال استغلال العوامل النفسية. من تجاربي الطويلة مع رجال المخابرات العرب أو الصهاينة، أتعلم في كل مرة جوانب جديدة من شخصياتهم المريضة الغارقة في العفن والاضمحلال. وإنني على ثقة أن العرب في حال تحررهم سيضطرون إلى بناء العديد من المصحات النفسية لمعالجة هؤلاء المساكين.

        إنهم لا يعون تماما خطورة زرع الشك وعدم الثقة في صفوف المواطنين، ولا يقدرون تماما معنى غياب التنظيمات الاجتماعية والسياسية الفعالة والحريصة على التغيير. إنهم يهدمون ما يظن بعضهم أنه يعمل على بنائه. لقد أحالت أعمالهم مؤسساتنا إلى بؤر تجسس ومنافسات بعيدة عن المهنية وجعلوها تصب في خدمة الحاكم من أجل مكاسب شخصية. الغالبية الساحقة من مؤسسات الوطن العربي مثل الجامعات والمستشفيات ومراكز الترفيه والبحث عبارة عن مقرات لأجهزة الأمن أو مؤيدي الحاكم وليس للإنجاز المهني أو للتقدم.

 

الثورة

 

هذا ابتذال مرعب لا تقضي عليه إلا الثورات، والثورات بحاجة إلى رجال أشداء ونساء ماجدات. وواضح الآن أن رجال الأمة لم يغيبوا، وتلك النساء الأبيات لم يحجبن السيوف.

:::::

sattarkassem@hotmail.com

Partager cet article
Repost0

commentaires

Articles RÉCents

Liens