Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

Recherche

11 août 2007 6 11 /08 /août /2007 19:52

 

الخلاص الفردي ومشاريع العودة... أين الخلل ؟  [1/3]

]

 

[الجزء الأول]

 

د. خــالد الطــراولي

ktraouli@yahoo.fr

 

كل صغير سوف يكبر وكل مهاجر سوف يرجع، وكل غائب سوف سيعود، ألا ترى الشمس وهي تغادرنا ليلا وفي الفجر نلاقيها من جديد... وقد قيل لأعرابية أي أبنائك أحب إليك؟ قالت المريض حتى يشفى والصغير حتى يكبر، والغائب حتى يعود... ولقد مثلت الغيبة أو الغياب محطة هامة للهجرة في حياة أفراد وفرق وشعوب وحتى حضارات... وغلبت على مشاريع الهجرة والغيبة الإكراه والتشريد، ودخلت مواطن الحسابات والمواجهات والمقاومة واستبعاد الخصم عن مواطن الفعل المباشر والتخلص منه، فكانت غيبة أهل الكهف وهجرتهم ملاذا من الاستبداد الديني، وكانت غيبة المهدي لدى الشيعة ملاذا من الاستبداد السياسي.

لقد مثلت الهجرة ملاذا وإطارا لتواصل وجود فكرة ووجود حامليها، ولقد كان للمكان الآمن التي يجده أصحابها دفعا لعدم الموت وحتى للإبداع والتفوق، فكانت هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حالة فريدة ولا شك، ولكنها تندرج عبر طابعها الإنساني في هذه الإرادة على البقاء وعلى الحياة وعدم قبول الأمر الواقع وقوفا وتواصلا وإبداعا ونجاحا.

النمـــوذج التونسي ورحلــة العـذاب

وفي عصرنا هذا تواصلت محن المَهاجر بالنسبة لعديد الأقوام بعد أن لفظتهم مواطنهم ظلما وعدوانا، وكانت تونس ولا تزال إحدى هذه البقاع الصغيرة التي غادرها في ليلة عابسة قمطريرة مجموعة من الشباب بعد تدافع سياسي رهيب، لم يترك لهم من خيار سوى القضبان أو الحدود، فغادرت البلاد ونسيم الأوطان بمرارة ومغلوب على أمرها، دفعات متتالية من خيرة الشباب، مختفية عن صولة الجلاد، وعبرت الصحاري والوديان، حاملة معها أحزانها ومشروعها،  حتى أرسى بها ترحالها في أكثر من 50 بلد لم تطأ بعض أرضه قدم تونسية من قبل...

الحالة التونسية ليست فريدة عن مثيلاتها العربية، ولكنها كانت أكثر إيلاما وعنفا وعددا، وحملت سناريوات حزينة لهذه السفرة الطويلة نحو المجهول، هربا بفكرة ومشروع، قبل الهروب بالأجساد!

عقدين من الزمن البعيد أو ما يقاربهما تتالت بسلبها وإيجابها، بأفراحها المقتضبة وأحزانها، بعيدا عن الأهل، بعيدا عن العشيرة، بعيدا عن زقاق المدينة ورفاق الدراسة وأتراب الحي، بعيدا عن الوطن... تداخلت خلالها أبعاد وتطورات، دخل الأبناء على الخط وحتى الأحفاد وبقيت السفينة رغم ثقل حملها تواصل طريقها في بحر الظلمات، جاء الاستقرار يترنح مستمدا وجوده من طول الرحلة وتقدم الأعمار وتوسع الأسر، وابتعد نسيم حي البلفيدير وصياح باعة سوق الحلفاوين والمدينة العتيقة... وبعدت القيروان بمقروضها الجميل، الطيب عرضا وذوقا..، وخرجت سوسة والمهدية والمنستير بأسوارهم العالية ورباطاتهم رويدا رويدا من ذاكرة تذوب...، و أخذت نابل والحمامات أشجارها وقوارصها بعيدا عن مد اليد والعين..، ورست قوارب قرقنة وجرجيس بعيدا عن مرمى الذاكرة وهي تحاول استيعادها من جديد..، وبقيت جربة الجميلة في المخيلة تبحث عن "عطار" يذكرنا بها ونحن نعبر أسواق بارباس في باريس، وظلت صفاقس وقابس وقفصة تدافع بقوة الحديد والفسفاط والكبريت المنبعث من أرجائه عن تاريخ عتيد ووجود في الذاكرة يضمحل...

تلك تونس الجميلة التي حملها الجميع معه وهو يراها بعد حين من الزمن تضمر ولكنها ظلت صامدة تحاول البقاء والثبات رغم طول الرحلة وعناء السفر..، عقدين من الزمن يمران ويبقى الحنين نحو الوطن قائما صلبا لا تضاهيه غير صلابة الإسمنت، إرادة للبقاء وأمل في العودة راسخ رسوخ الجبال... ومرت الأيام.... وبدأ دافع العودة وحنين الوطن يتجدد من حين لآخر عند البعض... وبدأت رحلة أخرى مع الضمير حينا، ومع الواقع حينا آخر تحاول طرح سؤال لم يغب عن الذاكرة ولكنه ظل مختفيا حياء أو موضوعية أو كلاهما... متى نعود ولماذا لا نعود؟؟؟

النمــوذج التونسي وقــرار العـودة

وبدأت قوافل العودة تطل بأنفها محتشمة في البداية، ممثلة في بعض الأفراد  منذ أوائل هذه الألفية عبر المعالجات الشخصية التي فتحت لها القنصليات أبوابها شراعا لتطبيق ماصطلح عليه بتصحيح الوضعيات، لتتسارع خطاها منذ ردهة من الزمن، وكانت هذه الصيفية مثالا حيا لتوسع هذه الظاهرة حيث طالت بعض الوجوه المعروفة على الساحة الإسلامية والمنتمية إلى حركة النهضة. وإذا كان التوجس والاعتراض والرفض هو الموقف الغالب من هذا المسعى، إلا أن تغيرا في المواقف قد بدأ يلوح عند بعض القيادات والتي يبدو أنها لم تعد ترى داعيا لهذا التحفظ بل سارعت إلى مباركته ولا ترى مانعا من هذا الخلاص، وهذا ما يستبان من حديث الدكتور النجار في مقاله الأخير في قوله : " وأخيرا، فها هي بعض من أشعّة نور بدأت تبدّد الظلام: .. وعدد من المهجّرين يعودون إلى أرض الوطن، وقد علمنا أنّ أكثرهم قد تجاوزوا الحدود بكرامة محفوظة، وإن يكن بعض من رفاقهم لم يُمكّنوا بعد من جوازات سفرهم وقد قدّموا مطالبهم منذ مدد طويلة... " [1]

 وقفة تأمل ونقطة نظام تفرض نفسها على هذه المنهجية الجديدة في التعامل مع ملف اللاجئين والمشردين. لقد ذكرت سابقا ومنذ مبادرة المصالحة المعروفة سنة 2003 أن من الأسباب التي دعتني لإطلاقها حينذاك هو تفشي ظاهرة الخلاص الفردي والحديث الذي طالها داخل الكهوف والدهاليز، فأردنا تعرية المستور خطأ حتى لا نبني في الظلام، وكان خوفي غلى ضمور المشروع الإصلاحي ذي المرجعية الإسلامية بضمور عدد حامليه وانسحابهم هو الدافع لتلك الوقفة، ولم أتخل منذ ذلك الحين عن التذكير بأهمية العنصر المهجري وتلازمه مع العنصر الداخلي، وأن خلاصه لا يكون إلا ضمن خطة جماعية تطال المساجين السياسيين وحالة البلد إجمالا...[2]

هـــوامش :

[1] د.عبد المجيد النجار "أما لهذه المأساة من نهـاية" نونس نيوز 04.08.2007

[2] انظر مثال ذلك خالد الطراولي "المصالحة الوطنية والنجاة الفردية خطان لا يلتقيان" رسالة اللقاء رقم 6  بتاريخ 15 أفريل 2006 موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net

أوت 2007

ـ يتبـــع ـ

المصدر :  موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي

 

 

                                                                                         *

 

 الخلاص الفردي ومشاريع العودة... أين الخلل ؟  [2/3]

 

[الجزء الثاني]

د. خــالد الطــراولي

ktraouli@yahoo.fr

 

لمـــاذا الخلاص الفردي ؟

لنحدد الفضاء الذي نتعامل فيه، ولبعض البقاع الرمادية التي يمكن أن تلوح في الأفق وتعكر صفو الحديث وتنحرف به في مستنقعات وفخاخ... ليس إطارنا عقديا ولا إيمانيا، وليس إطار مزايدات على الوطنية وتنابز بالتخوين واللاوطنية، ولكنه إطار اجتهادي خالص تحتمل ضفتاه الخطأ والصواب لكل دعاته وممارسيه، وقد زعمت دائما ولا أزال وبكل تواضع صواب حديثي اللاحق وخطأ التنظير والممارسة لمنهجية الخلاص الفردي والنجاة الشخصية. ولا يمكنني في هذا الإطار الخلافي حتى الاستنكار والتنديد، فلكل تبريراته واجتهاداته وخلوصه منفردا إلى حكومة ضميره، ولكني أسعى للتذكير والتحذير من تفشي ظاهرة الخلاص الفردي وإبراز خطورة ما يحدث من مباركات وصمت وقبول ضمني لها، على تواصل ونجاعة وحتى وجود المشروع السياسي الإصلاحي ذي المرجعية الإسلامية، والذي ينبني أساسا في هذه الحالات الاستثنائية على وفاق أقصى بين الداخل والخارج.

عند الحديث مع بعض الإخوة الذين عقدوا العزم على الرحيل، أو تسمع من هنا وهناك عن أصحاب هذه المواقف والتصورات، أو تقرأ لهم بعض النصوص، يتبين لك رغم زوايا التداخل والتشابك، وجود أربعة أصناف من اللاجئين العائدين :

 

الصنف الأول : هم جماعة طال عليهم الأمد وعظم الحنين والشوق لديهم للوطن والأهل، يرون أبناءهم تنمو قاماتهم وسيل من الشعر الأبيض يغزو الذقون والرؤوس وليس لهم باع في السياسة عن قرب، فقد طلقوها منذ سنين بعد أن وطئت أقدامهم ديار المهجر. ليس لهم كبير علاقة بالمشروع وكأنهم زُجَّ بهم زجا فيه فتركوه على الحدود، ولكنهم بقوا يحملون تبعات هذا الانتماء، وتركوا الشأن العام واعتنوا بالشأن الخاص، من أهل ومعيشة واسترزاق، فلما فُتحت الأبواب دفعوها بهدوء ومروا مرور الكرام!

الصنف الثاني : لم يكن دوما على وصال مع حركته، فهو مجمد أو مبعد أو مستقيل دون رسالة استقالة، يعيش العزلة السياسية ولا يرى له مكانا تحت الشمس، وليس الخلاص الفردي بالنسبة إليه إلا تغييرا للتراب الذي يقف عليه، فهو منسحب من المشروع التنظيمي وإن كان لا يزال يعيش ويحلم بالمشروع السياسي. فحالة الانسحاب والعدمية التي يعيشها في المهجر، لن تتغير، فالأولى أن يعيش على الهامش وهو على أرض الوطن وليس خارجه.

الصنف الثالث : فهو محبط يائس، بعضهم يعيش الانتماء التنظيمي والمشروع السياسي، وبعضهم يعيش المشروع فقط، ولكنه نتيجة خيبة عارمة وانسداد الآفاق وفشل مشروع الشباب الذي كان يحلم به وعجز المشروع الإصلاحي عن الوصول إلى مبتغاه، زيادة على طول رحلة الهجرة وحنين الأوطان ووعرة الطريق وتسابق سنين العمر، مع بعض النجاحات الاقتصادية من هنا وهناك، كل ذلك ساهم في إحداث النقلة الأخيرة والقرار النهائي بأن قطار العودة قد لاح وأن محطة النزول قد برزت، وأن الاعتراف بالفشل ونهاية المشروع قد تأكدت...

الصنف الرابع : وهو أصعبهم علي، فهم مجموعة لم يفقدوا الأمل في المشروع السياسي ولكن حسموا أمرهم في الانتماء التنظيمي وفي عدم فعالية وجدوى العمل المهجري، لكن حنينهم إلى العمل والنضال باق، غير أنهم يمنّون أنفسهم أن عودتهم إلى أرض الوطن ستمكنهم من العمل المباشر ولو في القليل القليل بداية من الأسرة والحيّ، يرون أن التاريخ هو عبارة عن مراحل تتجدد ولعلها تعاد، فالأولى العمل من جديد ولو في بساطة الجماعة الإسلامية الأولى، من وعظ وإرشاد محدد ومعين، والمراهنة على الزمن في التغيير الذاتي والنفسي ثم السياسي.

 

الحـالة العدميـة للمهجـر

هذه الأصناف الأربعة على اختلافها وتشابك أطرافها، ومع احترامنا لجميعها، تبرز حقيقة مكوّن أساسي يوحّدها ويميزها، وهو حالة العدمية والفراغ التي تجمعها وتعيشها، حيث كان هؤلاء ضحية فضاء تنظيمي وسياسي لم يكن في مستوى الاستجابة لتطلعاتهم وهمومهم ومشاكلهم، فعاشوا على الهامش ولم يكن خيارا، ولكنه غياب خطة توظيف واضحة وممنهجة لهذه الطاقات. ونحن مع ذلك لا ننكر صعوبة الواقع المهجري المحيط في الإمساك بكل أطراف هذا الإشكال.

إن المنطلق الأساسي للخلاص الفردي هو الحسم الذاتي في نهاية مرحلة جماعية وبداية أخرى ذاتية، هو اعتبار لحالة خاطئة يعيشها الفرد من إحباط وعدمية ويأس من المشروع، وعدم كبير ثقة في دوره ومكانه منه، وهو اعتراف بنهاية مشوار نضالي أتت عليه السنين، وأن المطلوب منه قد أداه وزيادة، ولا بد من تقاسم التضحيات مع أجيال أخرى، عليها أن تحمل المشعل وتواصل المسيرة...

هذه الحالة العدمية والسلبية وغير الطبيعية التي يعيشها هذا الفرد المنتظم أو المتعاطف، يتفق الجميع على تشخيصها، ونحن كما ذكرنا نعتبرها حالة خاطئة وغير سليمة، غير أن هذا الفرد يعالجها بحالة خاطئة أخرى، وهي التخلص من هذا الحمل، والرجوع إلى ارض الوطن، وا

Partager cet article
Repost0

commentaires

Articles RÉCents

Liens