Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

Recherche

9 avril 2009 4 09 /04 /avril /2009 19:07

http://www.planetenonviolence.org/photo/361823-445884.jpg


الاحتلال في عامه السادس...


الإنسحاب الأمريكي واللعب بالكلمات!

محمد العبد الله

 

قبل ست سنوات، في مثل هذا اليوم "الأسود"، احتلت قوات الغزو الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، العراق.ومع "كرنفال " النصر "الموهوم" الذي مارسته قوات الغزو، وأدواتها المحمولة جواً وبراً، في ساحة " الفردوس" البغدادية، تكون قد تعرت تماماً جريمة "السطو المسلح" الدولية، على قطر عربي، شكل على مدى آلاف السنين موئل الحضارة البشرية، ومارس أبناؤه، دورهم القومي في عدة ساحات عربية، دفاعاً عن المشروع القومي التحرري، وإسهاماً في البناء العلمي والتقني. لم تكن عمليات "الصدمة والترويع" معزولة عن مشروع الهيمنة والنهب، الذي صاغته وحرصت على تطبيقه، عصابات المحافظين الجدد، أمراء الظلام في مراكز صنع القرار الرأسمالي. جاء قرار الغزو، وتدمير الدولة الوطنية العراقية بكل مكوناتها، تتويجاً للممارسات العدوانية الممتدة خلال عقدين من الزمن.

 

  مع سقوط كل الأكاذيب المعروفة عن أسلحة الدمار الشامل، ومخابىء تنظيم "القاعدة"، و"دولة الشر" بالمنطقة، تكون الولايات المتحدة وبريطانيا، قد فقدت كل المبررات، التي شحنت من خلالها مشاعر  الملايين بالعالم، عبر أكبر عملية تضليل وتزييف إعلامية، وتكون بالتالي قد توضحت علناً أهداف عملية السطو المسلح على العراق، "الموقع، الثروات البشرية والإقتصادية"، لتأتي عملية نهب النفط والغاز، والتحكم بكمياته المستخرجة وأسعاره، ومهمات حماية الكيان الصهيوني، من خلال تأمين شروط " السلامة " لوجوده، أحد أبرز الدوافع الرئيسية للغزو والاحتلال.

 

 الواقع اليومي المباشر على مدى السنوات الست، كشف عن أن الديمقراطية المحمولة على الصواريخ، وقناديل الفوسفور الأبيض، وأدوات التعذيب في أكثر من ثلاثين سجناً، ناهيك عن مراكز الاعتقال والموت بالمثاقب والمناشير الكهربائية، الخاصة بميلشيات الأحزاب والقوى الطائفية/المذهبية، والأثنية، التي تجاوزت عدد المعتقلات الحكومية. وهذا ما أكده "نيك موتيرن" مدير منظمة "كونسيو مرزفوربيس"( هناك اكثر من مليوني عراقي قد عانوا من الاعتقال أو الاحتجاز مرة واحدة على الأقل منذ عام 2003). بالإضافة إلى أكثر من مليون وربع المليون من القتلى، وربع مليون من المعاقين، وملايين الأيتام والأرامل والمهجرين خارج وطنهم، أو المجبرين على النزوح بداخله، والمحاصرين بأكثر من 200كم من الجدران الاسمنتية_ إعادة انتاج لجدار الفصل والضم الإحتلالي/العنصري في فلسطين المحتلة _ كما تريد قوى الفصل المذهبي والإثني المشبوهة. لقد رسمت كل هذه الحقائق والأحداث صورة المشهد الإحتلالي بواقعيته المتوحشة. هذا الواقعية التي تزداد في كل يوم أعداد المحتجين على استمراريته. في ذكرى الغزو_ كما في كل عام_ شهدت شوارع واشنطن وكاليفورنيا ولوس انجلس وسان فرانسيسكو، مظاهرات حاشدة، شارك فيها عشرات الالاف من المتظاهرين تلبية لدعوة تحالف "اعمل الآن من أجل وقف الحرب وإنهاء العنصرية" "انسر" الذين توجهوا صوب البنتاغون فضلا عن شركات في ولاية فيرجينيا مثل "بوينج" و"لوكهيد مارتين" و"جنرال ديناميكس"و "كي بي آر" والتي وصفها المتظاهرون بأنهم "تجار الموت".


وأوضح المنسق الوطني للتحالف "بريان بيكر" لوسائل الإعلام (هذه مظاهرة مهمة للغاية لأنها تعتبر الأولى من نوعها منذ انتهاء فترة ولاية "الرئيس السابق". كما أنها مهمة لأنها جاءت في الوقت الذي نأمل فيه أن ينهي "الرئيس الجديد باراك" أوباما احتلال العراق). مضيفاً (بوش رحل، لكن احتلال العراق ما يزال مستمرا والحرب في أفغانستان تتصاعد وشعب فلسطين يعيش تحت الحصار).. وحمل المتظاهرون لافتات ضخمة كتب عليها "الاحتلال جريمة" و"أعيدوا القوات إلى الوطن الآن" و"نحتاج لعمل ومدارس وليس للحرب" و"مولوا احتياجات الشعب وليس آلات الحرب".

 

مع دخول العراق عامه السابع تحت الاحتلال، لابد من قراءة أبرز المستجدات، التي ستحدد راهناً وفي المستقبل القريب، خطة عمل المحتل والقوى المتحالفة معه، وعلى الجانب الآخر، الفاعل والمؤثر دور القوى الوطنية الرافضة للمحتل ولما يسمى بالعملية السياسية، ولذلك الحراك الإقليمي الذي يستهدف ضبط ايقاع التطورات الداخلية والمحيطة بالعراق، بأجواء المصالحات، أو بعبارة أخرى، كيفية إدارة الاختلافات حول رؤية كل طرف، بهدف الوصول إلى توافقات محددة.

 

مع وصول " أوباما " إلى البيت الأبيض، من خلال حملته الإنتخابية التي انطلقت من قضيتين أساسيتين شغلتا الرأي العام الأمريكي مؤخراً، الأزمة الإقصادية الكارثية، والحروب الخارجية التي تعني للمواطن الأمريكي، الأبناء القتلى والمعاقين، والمزيد من الضرائب. خاصة وأن الخسائر الأمريكية "الرسمية" قد وصلت للرقم 4260 من القتلى، وبما يقارب من خمسة أضعاف من الجرحى، لكن أرقام الخسائر الحقيقية تكشف عدم دقة ما تسوقه أجهزة البنتاغون و"البروباغندا" الإعلامية، كما نستنتج من حديث قائد الفيلق الثامن عشر في جيش الاحتلال "لويد أوستين" مع نهاية خدمة الفيلق ( منذ قدوم الفيلق إلى العراق في شهر كانون الثاني 2008، كان الطريق إلى النجاح بالنسبة للفيلق طويلاً، إذ كان يجري في العراق ما يزيد عن 700 هجوم خلال أسبوع.. عندما وصلنا إلى العراق، فوجئنا بأن أعمال العنف في اوجها وفي اعلى المستويات، حيث حصل في عام 2008 أعلى نسبة من الهجمات والتفجيرات ). كما ان موقع " تي.بي.آر" الإخباري الأمريكي المتخصص في متابعة أعداد القتلى والجرحى من الجنود الأمريكيين في العراق، يتحدث من خلال نشرة دورية يصدرها، عن أكثر من عشرين ألف قتيل، وحوالي أربعين ألف جريح. كما أن المقالة المنشورة، المدعمة بالوثائق، على موقع " غلوبال سيكيورتي" للمحلل والباحث العسكري "براينغ هارينغ" أكدت ان عدد القتلى من الجنود الأمريكيين في العراق منذ الغزو في آذار/مارس 2003 ولغاية تموز/يوليو 2005، بلغ عشرة آلاف قتيل. ويمكننا القياس على تطور هذه الخسائر خلال السنوات الست من عمر الغزو والاحتلال، لنقترب من الأرقام التي تعلنها قوى المقاومة العراقية البطلة، ولاتي تشير إلى نحو أربعين ألف قتيل وضعفهم من الجرحى والمعاقين.

 

إن الخطابات، والأحاديث المتكررة للرئيس الأمريكي منذ وصوله للبيت الأبيض قبل عشرة أسابيع، تشير إلى تراجع فعلي عن تنفيذ الوعود الانتخابية بالسحب الفوري للقوات من العراق. فما بين حملاته الانتخابية التي قال فيها (إن الحرب على العراق ما كان ينبغي أبدا تفويضها وما كان ينبغي شنها أبدا)، والخطاب الذي ألقاه أوباما في "كامب ليونى" أمام الآلاف من قوات المارينز في السابع والعشرين من الشهر الماضي، وأعلن فيه خطته "للانسحاب" من العراق، تنكشف حقيقة موقف الإدارة الجديدة. فقد  أعاد انتاج لغة الخطاب السياسي لسلفه، من أن ( "تحرير" العراق قد وفر فرصة ثمينة لشعب العراق.. ضد الطغيان والفوضى). وهذا ما أكد عليه أثناء "تسلله" إلى العراق قبل يومين، عندما التقى  قواته الغازية في معسكرهم قرب مطار بغداد، مخاطباً إياهم عن ( إنجازات قواته وبزوغ الديمقراطية بما يشكلانه من نجاحات استثنائية ). وهذا ما كشفه "سكوت هورتون" المحلل السياسي في شبكة "ضد الحرب/أنتي وور" بقوله (أليس في سياسات أوباما ما يقطع بأنها سياسات إدارة بوش المتكررة بصياغة أجمل أبهرت العالم). إن خطة اوباما تدعو لإنهاء العمليات القتالية وسحب معظم الجنود الموجودين في العراق والبالغ عددهم 142 ألف جندي بنهاية آب عام 2010، وهي أكثر قليلا من الشهور الـ16 التي وعد بها خلال الانتخابات. لكن الخطة تتضمن علامة رئيسية يجب أن تكون مثار قلق لكل من يعارض الحرب ويدعم الانسحاب الكامل للقوات الأميركية: سوف تترك في العراق قوة تقارب 50 ألف جندي حتى نهاية عام 2011، وهو التاريخ الذي نصت عليه الإتفاقية الأمريكية/العراقية "سوفا" لإخراج كافة القوات الأميركية. وهو  يعني التزامه بالجدول الزمني الذي أعلنه سلفه لإنهاء إعادة نشر قوات الاحتلال بنهاية العام ذاته. ووفقا للرئيس، هذه القوة سيكون لديها ثلاث مهام: تدريب قوات الأمن العراقية، محاربة "الإرهاب"، وحماية المدنيين الأميركيين والقوات العسكرية. لكن الخطط التي تعدّها وزارة الدفاع، تتضمن مواصلة الجهود لتوسيع قواعدها العسكرية، بما فيها قواعد "بلد" و "عين الأسد" بمدارج جديدة لهبوط واقلاع الطائرات بما يزيد طولها على 4 كيلومترات لاستخدامها من قبل القاذفات الضخمة وطائرات الشحن. وإلى جانب الوجود الأميركي داخل "المنطقة الخضراء" فإن القيادة العسكرية تعمل على الاحتفاظ بـ58 قاعدة عسكرية دائمة في العراق، بالإضافة إلى "الثكنة/المدينة" السفارة الأمريكية في بغداد، والتي تعتبر الأضخم في العالم.

 

بجانب تلك القوة المختارة من النخبة المقاتلة، المسماة تارة بقوات "الدعم والإسناد" وتارة أخرى بـ" ألوية المشورة والمعاونة"، يتم حشد أكثر من مائة ألف من المرتزقة "المتعاقدين الأمنيين" العاملين في شركة" بلاك ووتر" التي غيرت اسمها إلى" أكس أي" في محاولة تضليلية مكشوفة. الناشط الإعلامي والباحث في مجال شركات المرتزقة "جيريمي سكاهيل" كشف قبل أسبوعين تقريباً بـ(أن إدارة أوباما أقدمت على توقيع عقد جديد بقيمة 22 مليون دولار مع شركة بلاك ووتر للتزويد بالمرتزقة، على اختلاف خدماتهم وجنسياتهم، ودفعت لها مبلغ 70 مليون دولار في شهر شباط وحده). في هذا الجانب تشير افتتاحية " ذي نيشن" الأمريكية الواسعة الانتشار، إلى  "الفجوات الهامة في خطة اوباما للعراق التي تستحق التدقيق". فالحملة ضد التبذير والإنفاق غير القانوني الذي أطلقها الرئيس في بداية مارس/آذار الفائت، تتطلب اجراءات اخرى لتقليص حجم الإنفاق العسكري، وهذا ما ناقضته الأرقام الجديدة التي أعلنها وزير الدفاع" غيتس " قبل أيام حول ميزانية التسليح للقوات الأمريكية. إن زيادة ما يقارب المائتي مليار دولار لتغطية نفقات الوجود العسكري في العراق وأفغانستان لعامي 2009/2010، وضخ ما يقارب الخمسين مليار دولار في موازنة الاستخبارات المركزية الأمريكية للأهداف ذاتها، مما يضع أمام "اجراءات وقف التبذير" علامة استفهام كبرى، لأنها تأتي جميعها في ذروة الأزمة المالية/الإقتصادية/الاجتماعية التي تضرب البنية الرأسمالية العالمية، وفي قلب مركزها الأمريكي. ويبدو أن كلفة الحرب التي تجاوزت ثلاثة تريليونات من الدولارات، والتي انعكست آثارها _مع أسباب أخرى_ على "امبراطورية النهب" لم تكن كافية، فالرأسمال المتوحش، لايتوقف جشعه ونهبه،إلاّ بعد هزيمته الكاملة والشاملة، وهذا ماتتجمع نذره بالأفق.

 

على الجانب الآخر من المشهد، تعمل المقاومة الوطنية المسلحة والسلمية، على فرض وجودها على كل اللاعبين " الكبار والصغار" على الساحة العراقية. وإذا كانت عمليات المقاومة المسلحة، تمر في بعض مساراتها بالمراوحة أو الإنكفاء المؤقت، فإن ذلك لايعني_ كما يحاول البعض_ تجهيز المقابر لإعلان وفاتها، وتقبل العزاء بها!. إن القوى المسلحة المقاتلة بمختلف تكويناتها ومرجعياتها، تعيد من جديد رسم المشهد العراقي بكامله، على الرغم من الأزمات التي تعاني منها أطرافها جميعا، خاصة، كما يبرز في عجزها عن تحقيق قيام جبهتها الوطنية المتحدة، أو هيئة التنسيق المركزية الميدانية بين أطرافها. إن أهمية رفع مستوى التنسيق بين قواها المقاتلة والسياسية الآن، تفرضه استحقاقات المرحلة الراهنة والمقبلة. فالحديث عن إعادة انتشار القوات المحتلة "الإنسحاب"، حسب الصيغة التضليلة المتداولة، وحمى التحركات والحوارات العلنية والسرية، المندرجة تحت عنوان "المصالحة" تتطلب يقظة سياسية عالية، من أجل تفويت الفرصة على المتعاونين مع الإحتلال، والوكلاء المحليين لمشروع الهيمنة والنهب، الذي يسعون جاهدين، للبقاء على قمة السلطة السياسية، كحراس معتمدين لإدارة البلاد والعباد.

 

إن مستقبل العراق وشعبه، يجب أن تقرره قواه الوطنية المناهضة للإحتلال، وفصائله المقاتلة، التي رسمت بتضحياتها جميعاً، طريق الخلاص لشعبها.

 

( *** )

 

تفاعلات الأزمة المالية:

أزمة، إحتجاج، ميزانيات إنقاذ، ومعسكرات تجميع

د. ثابت عكاوي

يبدو أن اللبرالية الجديدة في الاقتصاد في بلدان الغرب باتجاه استنفاذ الطابع "الديمقراطي" الذي انتقل اليها من اللبرالية السابقة، أو دولة الرفاه التي ترافقت مع الفوردية والكينزية، أو تكاملهما. ويبدو كذلك، أن هذه الديمقراطية هي وصفة لأيام الرفاه، وبالتالي فإن اللبرالية ديمقراطية طالما هي في ازدهار، أما حينما تمتد الأيدي إلى مصالحها، أو يتضاءل معدل الربح، فيتم غض الطرف عن "حقوق المواطن".

 

فالتطورات الاقتصادية التي تجلت في الأزمة المالية/الاقتصادية، أخذت تعرض للمجتمعات في الغرب ترجماتها الإجتماعية، بمعنى أن الذين اصيبوا جرّاء هذه الأزمة،  وهم الطبقات الشعبية والوسطى هم الأكثرية الاجتماعية، وأن هؤلاء بدأوا بالتململ. صحيح أن هذا التململ لم يأخذ طابعاً عنفياً بعد، وربما لأن المتضررين لم يفقدوا الثقة بعد بأن تصحيحاً ما للأوضاع الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية هو على الطريق، كما لا يلبث زعماء بلدانهم عن الترداد في كل مؤتمر. علماً بأن المسافة بين كل مؤتمر وآخر للدول العشرين خاصة، هي اسابيع وربما اقل.

 

ورد في تقرير صادر عن مجلة  (الاقتصادي- الإيكونوميست-  The Economist) البريطانية، وهي الأكثر عراقة في التحليل الاقتصادي والاطلاع على اوضاع الاقتصاد العالمي منذ أكثر من قرنين من الزمان، بأن هناك 95 دولة في العالم من المتوقع أن تشهد اضطرابات اجتماعية بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها العالم. وعلى أقل تقدير، فإن هذا التقرير هو تحذير مسبق من أزمات قد تعصف بالعالم، وربما ترى الإيكونوميست، أنها بدأت حقاً.

 

ولا شك أن هذا التحذير له معنىً إضافياً حيث تواكب مع مؤتمر وزراء مالية العشرين قبل ايام في لندن ومؤتمر الدول الأوروبية في بروكسل من بعده. وهو تزامن لا يخلو من إعطاء مؤشرات للقادة بأن الأمور تحتاج لخطى جدية اي تغيير في السياسات لأن الأزمة في الاقتصاد العالمي بنيوية هذه المرة، هذا بالمنظور الأوروبي، وليس أزمة سيولة، تُحل بضخ مقادير مالية أكبر، كما ترى الولايات المتحدة. ربما لم تقل الإيكونوميست  ذلك، ولكن ليس شرطا إيراد النصوص.

 

ربما كانت أحداث آيسلندا الدافع الرئيسي وراء إعداد هذا التقرير حيث بدأت الاضطرابات فيها منذ نوفمبر 2008. وما تزال الاحتجاجات هناك متواصلة على الأداء الإقتصادي للحكومة. فقد قام قرابة الفي محتج  بتطويق مبنى البرلمان في 20 كانون ثانٍ، بأحزمة من الورق الأبيض وضربوا الشرطة بالبيض، وفرقتهم الشرطة بالغاز المدمع واعتقلت عشرين شخصاً، وإثرها ضرب المتظاهرون زجاج البرلمان بكرات من الثلج. وفي اليوم التالي تظاهر المواطنون وطالبوا باستقالة رئيس الحكومة. وبعده تظاهر المحتجون ثانية مطالبين بخروج البلاد من حلف الناتو وهي المرة الأولى بعد عام 1949. وبالمناسبة، جرت مظاهرات في بروكسل الأسبوع الماضي مطالبة كذلك بانسحاب بلجيكا من الحلف ( وسحب قوات بلادهم من العراق وأفغانستان) الذي، برأي المتظاهرين، أدخل العالم في حروب ادت إلى الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، وتم اعتقال المتظاهرين جميعا وهم قرابة المئة.

 

يمكن للمرء اتخاذ حالة آيسلندا كنموذج. ولكن، في اوروبا عامة هناك جيل من الشباب المتمرد بسبب ما لحق به من الأزمة الاقتصادية، هذا ما أوردته مجلة (ذي تايمز  The Times) بأن تظاهرات حصلت في لاتفيا، وليثوينيا، وبلغاريا، واليونان حيث استغل مصرع شاب على يد الشرطة لتعم المظاهرات وأعمال العنف البلاد احتجاجا على الأزمة المالية.

 

في هذا الصدد يقول البروفيسور روبرت وايد، من (جامعة لندن سكول أوف إيكنوميكس)، ان حكومة آيسلندا ستسقط بالتأكيد، كما أن فريدريك إريكسون، من المركز الأوروبي للسياسات الاقتصادية الدولية وصف الوضع الحالي بنفس المناخات الاجتماعية التي سبقت الثورة الفرنسية 1789 ولهذا مدلول تفيير جذري واضطرابات منفلتة.

 

ولم تنحصر التظاهرات في الدول الأوروبية الصغيرة أو الأقل ثراء، فقد كانت فرنسا المسرح الأكبر للإضرابات في الأسبوع الماضي. وفرنسا هي صاحبة التراث العريق في الانتفاضات الشعبية، حيث اضرب ثلاثة ملايين شخص في الأسبوع الماضي احتجاجاً على السياسة الاقتصادية للرئيس ساركوزي. وبادرت إلى ذلك نقابة العمال الكبرى (سي.جي.تي الاتحاد العام للشغل) وضم الإضراب، موظفي القطاع الحكومي والبريد  والصحة والمدارس وقطاع النقل إلى جانب شغيلة القطاع الخاص، وعمال المطارات مما اربك الحركة الجوية وخاصة المحلية. واستمر الإضراب ل 24 ساعة.  ويعتبر هذا الإضراب الضخم الثاني خلال شهرين حيث شارك في الإضراب الأول 2,5 مليون شخص.

 

إلى جانب باريس التي بلغ عدد المتظاهرين فيها 85,000 كانت الاحتجاجات شديدة في مدينة مارسيليا حيث طالب المضربون بزيادة أجورهم وحماية أكبر من الأزمة.

 

كان الإضراب مبرمجا لدرجة أن 200 مظاهرة انطلقت في مختلف أنحاء فرنسا في نفس اليوم. ورغم تنوع وتعدد فئات المضربين، إلا أنهم ملتقون حول مسألة واحدة هي عدم ارتياحهم للسياسة الاقتصادية لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تبنتها الحكومة.

 

بدوره قال ساركوزي انه يتفهم المطالب وبأن حكومته وضعت سياسات  جديدة من اولوياتها الحفاظ على الوظائف والصناعة. وبالطبع رفض ساركوزي مطلب تركيز الضرائب على الأغنياء زاعما ان هذا سوف يدفع دافعي الضرائب الأغنياء لترك البلاد ليستثمروا في بلدان أخرى تقدم لهم إعفاءات مغرية.

 

لعل ما يكشف ابعاد  المشكلة أن الحكومة الفرنسية ليس لديها الكثير لتقدمه للناس. ورغم أن أكثرية الناس تؤيد الإضراب، إلا أن المراقبين يرون بأن ساركوزي ليس باتجاه التراجع عن سياسته الاقتصادية. فبعد ان قدمت الحكومة مساعدات ب 34 بليون دولار للشركات الكبرى لم يعد بوسعها تقديم أكثر، وكما يقول وزير الصناعة فإن حكومة مدينة جداً لا يمكنها تقديم مساعدات. تجدر الإشارة إلى أن فرنسا أفضل من غيرها بكثير فيما يخص خدمات دولة الرفاه، لكن المراقبين يرون انها مقبلة على أزمة يتقلص الاقتصاد فيها هذا العام بنسبة 2 % وتصل البطالة إلى 10%.

 

لكن المؤشرات الأكثر خطورة، هي في الجانب الرسمي، وليس الشعبي، وهو ما يتضح من التدابير الاحترازية التي تتخذها الإدارة الأميركية الحالية تحسباً من الاضطرابات الاجتماعية بسبب الأزمة الإقتصادية.

 

فقد قدم أحد أعضاء الكونجرس إلى مجلسه اقتراح قانون بإقامة ستة مراكز لتجميع المواطنين الأميركيين المتضررين من الأزمة المالية/الاقتصادية الحقيقية سواء فاقدي منازلهم او أعمالهم أو وظائفهم...الخ. ومن يقرأ نص الاقتراح يمكنه أن يشم منه رائحة ابعد من اعتناء الدولة بالضعفاء. فهذه المراكز تقرر أن تقام داخل معسكرات للجيش الأميركي. كما استقدمت الولايات المتحدة فرق حرب الشوارع ومكافحة التظاهرات وحرب المدن من العراق إلى الولايات المتحدة وليس إلى أفغانستان.

 

بكلمة أخرى، فإن هذه المعسكرات، بناء على مواقعها على الأقل، مهيأة لاحتجاز من يحتجون على الأزمة الاقتصادية/المالية أكثر مما هي أماكن إيواء. وهذا يعني أن الإدارة الأميركية تتوقع أن ينتقل مواطنوها من لحظة الدهشة والترويع الإقتصادي إلى لحظة الاحتجاج. كما أنها تخشى ما هو أبعد.

 

ففي يوم 21 آذار توقفت حافلة تقل عشرات المحتجين أمام منازل مدراء شركة التأمين (أميركان انتناشيونال جروب) ومركزها نيويورك، للاحتجاج على عشرات ملايين الدولارات التي دفعتها الشركة كمكافآت لمدرائها ومسؤوليها التنفيذيين بعد أن حصلت على مساعدات إنقاذ ضخمة من الحكومة الفدرالية! وقال المحتجون ان مبلغ 165 مليون دولار يجب تسخيرها لتثبيت مساكن للأسر المطرودة وخلق وظائف للعمال وللتأمين الصحي.

 

معربة عن دهشتها قالت سيدة تعمل في العناية بالحدائق لأحد المدراء:"ايها اللورد، لا يمكنني التصور كيف تعيش في منزل بهذا الحجم...إن هذا عالم غير عالمنا"! من الواضح ان المكافآت قد اشعلت غضباً لدى الموظفين وصل حد التهديد بالقتل.

 

فقد حصلت الشركة على دعم حكومي وصل الى 182,5 بليون دولار، واصبح 80% منها ملكا للحكومة، في الوقت الذي فيه انهارت اسواق المنازل والوظائف وتدهورت البلاد في ركود أدى إلى كساح اقتصادي. أما الشركة فزعمت انها وزعت هذه المبالغ الهائلة لأنها تريد الاحتفاظ بموظفيها ذوي القيمة العالية كي لا يتركوها. وأن هؤلاء الموظفين يعملون بكل طاقتهم كي تدفع الشركة للحكومة ما استدانته منها، كما أنهم يساهمون في إنعاش الاقتصاد.

 

بدوره قال مدعي عام الدولة ريتشارد بلومنثال أن هذه الشركة قد دفعت 53 مليون دولار من المكافآت زيادة عما ورد في تقرير وحدة الإنتاج المالي فيها!

 

اللافت هنا ان حكومة الولايات المتحدة، وهي مركز الأزمة وسببها الرئيسي، وهي قبل ان يبدأ الاحتجاج الشعبي، جهّزت نفسها لمواجهة الاحتجاجات، والتي لم تعْتَدْ عليها بالطبع مقارنة مع أوروبا الغربية.

 

وهذا التجهيز من قبل الدولة يعني ان الثقة بالعلاجات التي تقدمها ليست عالية من قبل الدولة نفسها. وكما نعرف هناك مدرستان حتى اللحظة لعلاج الازمة:

 

□  المدرسة الأميركية التي تدعو إلى ضخ كم هائل من الأموال في شرايين النظام المالي (البنوك) كي يقوى مجدداً على العمل.

 

□ وهناك المدرسة الأوروبية التي تدعو إلى تغيير بنيوي في النظام الاقتصادي يزيد من تدخل الدولة في الاقتصاد.

 

وبغض النظر عن ايهما الذي سيعطي ثماراً أفضل، يبقى التساؤل مشروعاً فيما إذا كان اياً منهما سيشكل حلاً للأزمة.

 

أما الأمر اللافت فهو في الضفة الأخرى من العالم، في بلدان محيط النظام، ما الذي يدور، ما المتوقع؟ هل هي المنطقة المرشحة للتغيير؟ هل ال 95 دولة التي تحدثت عنها الإيكونوميست متركزة هناك؟ ثم ماذا عن فرصة قيام بلدان معينة باستغلال تراخي قبضة المركز للتأسيس لتنمية فيها أي قاعدة صناعية؟ كل هذه اسئلة برسم الإجابة، ومن المفترض أن يجبيوا عليها...العرب أيضاً!

Partager cet article
Repost0

commentaires

Articles RÉCents

Liens